لم يكن زايد الأب المؤسّس وحكيم الأمة والقائد الاستثنائي فحسب، بل كان الفارس النبيل والشاعر المبدع الذي اكتنزت قصائده بالمعاني والصور الجميلة التي كان يستقيها من البيئة التي يعيش فيها والقيم التي تربّى عليها، متّكئاً على ذائقة شعرية وهبها الله إياه، وصقلها بمعايشة الشعر العربي في مختلف عصوره.
فبقدر ما كان الشيخ زايد قائداً عقلانياً يُحسن التخطيط والبناء، كان شاعراً واسع الخيال، أنيق العبارة، شديد الارتباط بالصحراء. وفي وسع القارئ أن يجد وهو يتأمل تجربة الشيخ زايد الجمالية شاعراً فارساً يغنّي للحياة، يحب البساطة ويكره التكلّف ويذوق الجمال وينشغل بالهواجس الإنسانية. ولعل أجمل ما تكشف تجربته الشعرية عنه، يتمثّل في قدرتها على رسم صورة زايد الإنسان النبيل، بعيداً عن عالم الحكم وتعقيداته. لكنّ تجربة الشيخ زايد الشعرية تبقى مهمّة في سياق النهوض والتحوّل، فبقدر ما هي شديدة الاتصال بالشعرية النبطية الإماراتية، بقدر ما هي منفصلة عنها، وبقدر ما هي متولّدة من ذاكرة ثقافية ثرية، بقدر ما هي مستقلة ومتميّزة وغير مكرورة.
وقد توافرت للشيخ زايد كلّ مقوّمات الشاعر الغنائي، فقد كان ذا موهبة شعرية متجدّدة، يمتلك ذوقاً صافياً ومقدرة على التمييز بين مستويات الكلام، وكان فوق ذلك صاحب ثقافة شعرية واسعة حتى وصفه عارفوه بأنه كان "موسوعة شعرية تمشي على قدمين". فقد كان يحفظ الكثير من شعر السابقين، عليماً بمفردات البداوة وببحور الشعر وأوزانه وأغراضه وشعرائه المجيدين، مثلما كان على صلة قوية بالشعر العربي الفصيح. وقد سبق الحديث عن علاقته بالشعر الجاهلي وبشاعره المفضّل أبي الطيب الذي يعدّ شعره ذروة ما وصل إليه الشعر العربي.
إنّ قارئ الشيخ زايد لا بدَّ أن يلحظ المناخات الإنسانية العذبة التي كان يحرص على بنائها، وكان الشعر وسيلته إلى بناء هذا العالم. لكنّ روح القائد لم تغب عن ردوده التي ظلّت تتحلّى بالذكاء والجرأة والتوازن والمرح.
Video Description here